الثلاثاء، 10 يونيو 2014

تأملات في المعوذتين



بسم الله الرحمن الرحيم ..
الحمد لله حمداً كثيراً مزيداً ..
والصلاة والسلام على نبينا محمد وصحبه جميعاً ..
نبدأ تأملاتنا مع المعوذتين ..
فتأملن في آياتها وأسرارها بورك فيكن ..
-----------------------------------------

 {قل أعوذ برب الفلق}
=============

رب الفلق هو الله ..
والفلق : الإصباح ..
ويجوز أن يكون أعم من ذلك أن الفلق كل ما يفلقه الله تعالى من الإصباح،
والنوى، والحب. كما قال الله تعالى: { إن الله فالق الحب والنوى } ..
وقال: { فالق الإصباح }.

 {من شر ما خلق}
 أي من شر جميع المخلوقات ومنه النفس ، لأن النفس أمارة بالسوء، فإذا قلت من
شر ما خلق فأول ما يدخل فيه نفسك، كما جاء في خطبة الحاجة 
« نعوذ بالله من شرور أنفسنا» ..

وقوله: { من شر ما خلق } يشمل شياطين الإنس والجن والهوام وغير ذلك .


{ومن شر غاسق إذا وقب}
===============

الغاسق قيل: إنه الليل ..
وقيل: إنه القمر ..
والصحيح إنه عام لهذا وهذا ..

فالليل تكثر فيه الهوام والوحوش، فلذلك استعاذ من شر الغاسق أي: الليل.

وأما القمر فقد جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أن النبي
صلى الله عليه وسلّم أرى عائشة القمر.
وقال: « هذا هو الغاسق » وإنما كان غاسقاً لأن سلطانه يكون في الليل ..

وقوله: { من شر غاسق إذا وقب } هو معطوف على { من شر ما خلق }
من باب عطف الخاص على العام ..
لأن الغاسق من مخلوقات الله عز وجل ..

وقوله: { إذا وقب } أي: إذا دخل .
فالليل إذا دخل بظلامه غاسق، وكذلك القمر إذا أضاء بنوره فإنه غاسق،
ولا يكون ذلك إلا بالليل ..


 {ومن شر النفاثات في العقد}
=================

{النفاثات في العقد}
هن الساحرات. يعقدن الحبال وغيرها، وتنفث بقراءة مطلسمة فيها أسماء الشياطين
على كل عقدة تعقد ثم تنفث، تعقد ثم تنفث، تعقد ثم تنفث، وهي بنفسها الخبيثة تريد
شخصاً معيناً، فيؤثر هذا السحر بالنسبة للمسحور ..

وذكر الله النفاثات دون النفاثين ؛ لأن الغالب أن الذي يستعمل هذا النوع من السحر هن
النساء، فلهذا قال: { النفاثات في العقد } ..

ويحتمل أن يقال:
إن النفاثات يعني الأنفس النفاثات فيشمل الرجال والنساء ..



{ومن شر حاسد إذا حسد}
===============

الحاسد هو الذي يكره نعمة الله على غيره، فتجده يضيق ذرعاً إذا أنعم الله على هذا
الإنسان بمال، أو جاه، أو علم أو غير ذلك ، فيحسده ..

ولكن الحسّاد نوعان:
نوع يحسد ويكره في قلبه نعمة الله على غيره، لكن لا يتعرض للمحسود بشيء،
تجده مهموماً مغموماً من نعم الله على غيره، لكنه لا يعتدي على صاحبه ..

 والشر والبلاء إنما هو بالحاسد إذا حسد. ولهذا قال: {إذا حسد}.

 ومن حسد الحاسد العين التي تصيب الُمعان يكون هذا الرجل عنده كراهة لنعم
الله على الغير فإذا أحس بنفسه أن الله أنعم على فلان بنعمة خرج من نفسه الخبيثة
(معنى) لا نستطيع أن نصفه لأنه مجهول، فيصيب بالعين، ومن تسلط عليه أحياناً يموت،
وأحياناً يمرض، وأحياناً يُجن، حتى الحاسد يتسلط على الحديد فيوقف اشتغاله، وربما
يصيب السيارة بالعين وتنكسر أو تتعطل، وربما يصيب رفَّاعة الماء، أو حراثة الأرض ..
فالعين حق تصيب بإذن الله عز وجل ..


 من تأمل سورة الفلق يجد أن الله عز وجل ذكر :

 - الغاسق إذا وقب ..
- والنفاثات في العقد ..
- والحاسد إذا حسد ..

 لأن البلاء كله في هذه الأحوال الثلاثة يكون خفيًّا ..

^^^^^^^^^^^^^^

{قل أعوذ برب الناس}
==============

وهو الله عز وجل، وهو رب الناس وغيرهم، رب الناس، ورب الملائكة، ورب الجن،
ورب السموات، ورب الأرض، ورب الشمس، ورب القمر، ورب كل شيء ..
 لكن للمناسبة خص الناس ..


{ملك الناس}
=======

أي الملك الذي له السلطة العليا في الناس، والتصرف الكامل هو الله عز وجل ..


 {إله الناس}
=======

أي مألوههم ومعبودهم، فالمعبود حقًّا الذي تألهه القلوب وتحبه وتعظمه هو الله عز وجل ..


 {من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس}
=============================

{الوسواس}
قال العلماء: إنها مصدر يراد به اسم الفاعل أي: الموسوس.

والوسوسة هي :
ما يلقى في القلب من الأفكار والأوهام والتخيلات التي لا حقيقة لها.

{الخناس} ..
 الذي يخنس وينهزم ويولي ويدبر عند ذكر الله عز وجل وهو الشيطان.
ولهذا إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي
النداء أقبل حتى إذا ثوب للصلاة أدبر، حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين 
المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل
لا  يدري كم صلى.

ولهذا جاء في الأثر :
«إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان» ..
والغيلان هي الشياطين التي تتخيل للمسافر في سفره وكأنها أشياء مهولة، أو عدو
أو ما أشبه ذلك فإذا كبر الإنسان انصرفت ..

{من الجِنَّة والناس}
===========

 أي أن الوساوس تكون من الجن، وتكون من بني آدم ..

أما وسوسة الجن فظاهر لأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم ..
وأما وسوسة بني آدم فما أكثر الذين يأتون إلى الإنسان يوحون
إليه بالشر، ويزينونه في قلبه حتى يأخذ هذا الكلام بلبه وينصرف إليه ..

^^^^^^^^^^^^^^

الآن مع التأملات التدبرية للمعوذتين :
_______________________

في هذه السورتين لطيفة تأملوها :

وهي أن المستعاذ به في السورة الأولى مذكور بصفة
واحدة وهي أنه :
رب الفلق ..
 والمستعاذ منه ثلاثة أنواع من الآفات، وهي :
- الغاسق.
- والنفاثات.
- والحاسد .
وهي شرور خارجية ..


وأما في سورة الناس فالمستعاذ به مذكور بصفات ثلاثة وهي :
- الرب .
- والملك .
- والإله .
والمستعاذ منه من شر شيء واحد وهو :
الشيطان ووسوسته !!..
وهي شرور داخلية ..

وما ذاك إلا لشدة خطر الشيطان ، فهلا استشعرنا عظمة صفات ربنا ونحن نستعيذ به
من عدونا ؟!!..


 مقصد السورتين :
_____________

تحقيق الاستعاذة بالله، من الشرور الخارجية والداخلية ..

سورة (الفلق) وسورة (الناس)، حصنان منيعان، وحرزان عظيمان،
لا يستغني عنهما مسلم ..
فسورة (الفلق) حرز من الشرور الخارجية ..
وسورة (الناس) حرز من الشرور الداخلية ..
فهما المعوِّذتان ..

كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بهما؛ فعن أبي سَعِيدٍ الخُدريِّ - رضي الله عنه -: 
( كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَعَوَّذُ مِنَ الجَانِّ ، وَعَيْنِ الإنْسَانِ ، حَتَّى نَزَلَتْ المُعَوِّذَتَانِ ، فَلَمَّا نَزَلَتَا ، أخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا ) [رواه الترمذي، وصححه الألباني] ..

 وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – للصحابي الجليل ابن عابس الجهني 
- رضي الله عنه -: ( يَا ابْنَ عَابِسٍ، أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ مَا تَعَوَّذَ الْمُتَعَوِّذُونَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ) [رواه النسائي وأحمد وصححه الألباني] ..


سميت بالمعوذات :

من باب التغليب ، وإلا ( قل هو الله أحد) ليس فيها تعويذ ،
وإنما التعويذ في (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ..

والتعوذ بهاتين السورتين وقراءتهما والتحصن بهما من
سنّة النبي صلى الله عليه وسلم ..
ففي النسائي قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
"إن الناس لم يتعوذوا بمثل هاتين: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)
و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)".

وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ بهما كل ليلة عند النوم،
 إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ المعوذات ،
ثم مسح بهما ما استطاع من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات ..

 وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يأمر أصحابه بالتعوذ بهما، 
فالتعوذ بهما من هدي سلفنا الصالح، فلنقتدِ بهم ..

في قوله تعالى : { وَمِن شَرِّ‌ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ}

من تأمل أنواع الشرور وجد أكثرها في الليل وفيه انتشار الشياطين ، وأهل الغفلة والبطالة ..

فحريٌ بالمسلم اغتنامه بالعبادة وتجنب السهر فيما لا ينفع وخصوصاً في الأسواق ونحوها ..

{ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ‌ النَّاسِ ﴿٥﴾ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}

 بين الله تعالى نوع الموسوس بأنهم من الجنة والناس لأن ربما غاب عن البال
أن من الوسواس ما هو شرٌ من وسواس الشياطين وهو وسوسة الناس ، وهو 
أشد خطراً وهم بالتعوذ منهم أجدر لأنهم منهم أقرب وهو عليهم أخطر ،
وأنهم في وسائل الضر أدخل وأقدر ..

-------------------------------------

ما هو الطريق للتخلص من هذه الشرور الثلاثة التي
ذكرت في سورة الفلق ؟..

يقول العلامة العثيمين رحمه الله :

الطريق للتخلص أن يعلق الإنسان قلبه بربه، ويفوض أمره إليه، ويحقق التوكل على الله ..
ويستعمل الأوراد الشرعية التي بها يحصن نفسه ويحفظها من شر هؤلاء ..

وما كثر الأمر في الناس في الآونة الأخير من السحرة والحساد وما أشبه ذلك إلا من أجل
غفلتهم عن الله، وضعف توكلهم على الله عز وجل، وقلة استعمالهم للأوراد الشرعية التي
بها يتحصنون !!..

وإلا فنحن نعلم أن الأوراد الشرعية حصن منيع، أشد من سد يأجوج ومأجوج. لكن
مع الأسف أن كثيًرا من الناس لا يعرف عن هذه الأوراد شيئاً، ومن عرف فقد يغفل كثيراً،
ومن قرأها فقلبه غير حاضر، وكل هذا نقص !!..
 ولو أن الناس استعملوا الأوراد على ما جاءت به الشريعة لسلموا من شرور كثيرة ..
نسأل الله العافية والسلامة ..

هذا والله أعلم ..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..

^^^^^^^^^^^^^^


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق