الحمد لله وكفى .. والصلاة والسلام على النبي المصطفى .. وبعد ..
هذه تأملات في سورة الليل .. رزقنا الله تدبر كتابه والعمل به ..
-------------------------------------
= ] والليل إذا يغشى [
أقسم الله سبحانه وتعالى بالليل إذا يغشى يعني حين يغشى الأرض
ويغطيها بظلامه ،لأن الغشاء
بمعنى الغطاء .
] والنهار إذا تجلى [ أي : إذا ظهر وبان ، وذلك بطلوع الفجر الذي هو النور الذي هو مقدمة
طلوع الشمس ، والشمس
هي آية النهار كما أن القمر آية الليل .
* *
* * *
* * *
* * *
*
] وَ مَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى [
: ( مَا ) قد تكون موصولة بمعنى (
من ) فيكون الله تعالى قد
أقسم بنفسه أي : و( من)
خلق الذكر والأنثى !.
وقد تكون مصدرية فيكون الله قد أقسم بـ ( خَلْقِ
) الذكر والأنثى .
= قال تعالى : ] وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) [
لِمَ تقدّم ذكر الليل ثم النهار بخلاف سورة الشمس ؟ ما سر
هذا التقديم والتأخير ؟ لأن هذه السورة
( الليل ) نزلت قبل
سورة ( الشمس ) بمدة ، وكان الكفر مخيماً على الناس
إلا نفراً قليلاً ، وكان الإسلام قد أخذ في التجلي فناسب هذه الحالة حالة الليل حين
يعقبه ظهور النهار .
* *
* * *
* * *
* * *
*
فنلاحظ أن الله تعالى بدأ بالليل قبل النهار لأن الليل هو أسبق من النهار
وجوداً و خلقاً ، ( و )
لأن النهار جاء بعد خلق الأجرام ؛ وقبلها كانت الدنيا
ظلام دامس، والليل والنهار معاً أسبق
من خلق الذكر والأنثى ، وخلق الذكر أسبق من خلق
الأنثى : ] خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ
مِنْهَا زَوْجَهَا [ ، فجاء ترتيب الآيات بنفس ترتيب الخلق : الليل أولاً ، ثم النهار، ثم الذكر،
ثم الأنثى .
= السورة كلها في العموم ] والليل إذا يغشى [ ولم يذكر ماذا يغشى؟
] والنهار إذا تجلى [
وهكذا ..
والسورة كلها قائمة على التقابل : الليل والنهار، يغشى وتجلى ،الذكر والانثى
. استغنى مقابل
اتقى لأن المستغني لا يحذر شيئاً ولا يحتر سو الاستغناء مدعاة للطغيان
كما في قوله تعالى:
] إن الانسان ليطغى ، أن رآه استغنى [
والذي يطغى لا يحذر لأنه لو كان
يحذر لما طغى أصلاً والمتقي يحذر ويحترس ، أما الطاغية
فلا يحذر والطغيان مدعاة التعسير
على الآخرين . كذب بالحسنى جاءت مقابل صدق بالحسنى ، وكذلك جاءت ] فسنيسره للعسرى [
مقابل ] فسنيسره لليسرى [ ولم يقل نعسره للعسرى
لأنها تفيد الثناء على عكس المقصود بالآية أنه يعسر
الأمور على غير هو على نفسه وفي
الآخرة يعسر عليه دخول الجنة .
= رغم أن الوقت واحد والذكر والأنثى خلقهم واحد إلا أن السعي مختلف اختلاف
شديد ،
فجاء جواب القسم مؤكد كل هذه التأكيدات ] إن سعيكم لشتى [ .
= ] فأما من أعطى واتقى [
إنّ اقتران العطاء بالتقوى أمر بالغ الأهمية يترتب عليه قبول العطاء أو ردّه .
* *
* * *
* * *
* * *
*
فكم من باذل ماله وجهده وعرقه ، وكم من مسابق إلى صنائع المعروف ، ومصاول
في ساحات الجهاد ليس له من ذلك إلا النصب والوصب، والحسرة والندامة !!
ذلك أنّ الكثيرين محرومون من تقوى الله فيما يأتون ويذرون ، فالإخلاص مفقود
، والسُّنة غائبة !
أليس في الأمة من يجاهد رياءً وسمعة ليقال : شجاع ؟!
أليس في الأمة من ينفق بسخاء ليقال : جواد؟.
فما بال عطاءاتهم خاسرة ، ونفوسهم نافقة ، وسعيهم وبال وشنار؟!
والجواب واضح بحمد الله فهؤلاء جميعاً قدّموا عطاء بلا تقوى وأوتوا ذكاءً ولم يؤتوا زكاءً
!.
* *
* * *
* * *
* * *
*
ولذا عطف الله تعالى قوله : ] وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى [
على هذه الجملة أعني قوله : ]فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى [
لتكون قيداً مهماً ، وشرطاً أكيداً في قبول كل عطاء مثالي ، فالرغبة فيما عند الله
من النعيم المقيم ، والثواب العميم يجب أن يكون هو الهدف الشاخص للعيان لكل محب لطاعة
ومسابق إلى معروف ومجاهد لإعلاء كلمة الله .
= ] فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى[ : وهذه واحدة
من رحمات الإله ، وهبة من هبات الكريم المنان , لا فلاح للعبد ولا نجاح بدونها ,
بل لا استقامة ولا هداية ولا توفيق ولا سداد
بدون إعانة الله و تيسيره .
ولذا كان طلب العون والتيسير دعاءً مفروضاً في كل ركعة من الصلاة : ] إِيَّاكَ نَعْبُد ُوإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [[الفاتحة :4].
ولا ينبغي لعبد أن يطلب الإعانة والتيسير وهو منهمك في معاصيه سادر في
غيه, فذلك من العجز والخذلان ، ومن سفاهات المرجئة والدراويش !..
بل لابد من الأخذ بالأسباب وسلوك طرائق الخير ومناهج الفلاح مع دعاء الله
ورجائه و تفويض الأمر إليه سبحانه .
* *
* * *
* * *
* * *
*
= اللهم لك الحمد كما خلقتنا لم تتركنا هكذا بل بيَّنت لنا طريق الحق فلك
الحمد ..
إعطاء + تقوى + تصديق بالحسنى = التيسير لليسرى .
= تجد أيسر الناس عملاً هو من اتقى الله عز وجل ، من أعطى واتقى وصدق بالحسنى
.
وكلما كان الإنسان أتقى لله كانت أموره أيسر له .
قال تعالى : ] ومن يتق الله يجعل له من أمه يسًرا [[الطلاق: 4].
وكلما كان الإنسان أبعد عن الله كان أشد عسراً في أموره ولهذا قال :
] وأما من بخل [ فلم يعط ما أمر بإعطائه ) واستغنى ) استغنى عن الله عز وجل ، ولم يتقِ ربه ، بل رأى أنه في غنى عن رحمة الله
.
] وكذب بالحسنى [
أي : بالقولة الحسنى ، وهي قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
.
] فسنيسره للعسرى [
ييسر للعسرى في أموره كلها ، ولكن قد يأتي الشيطان للإنسان فيقول :
نجد أن الكفار تيسر
أمورهم فيقال : نعم .. قد تيسر أمورهم ، لكن قلوبهم تشتعل ناراً وضيقاً
وحرجاً
كما قال تعالى : ] ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء [[الأنعام: 125].
ثم ما ينعمون به فهو تنعيم جسد فقط ، لا تنعيم روح ، ثم هو أيضاً وبال
عليهم لقول الله تعالى
فيهم : ] سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملي لهم إن كيدي متين [ [الأعراف: 182، 183].
* *
* * *
* * *
* * *
*
= ] وما يغني عنه ماله إذا تردى [
يعني أي شيء يغني عنه ماله إذا بخل به وتردى .أي :
هلك أي شيء يغني المال؟ لا يغني
شيئاً .
= ] إن علينا للهدى [
فيه التزام من الله عز وجل أن يبين للخلق ما يهتد ون به إليه.
والمراد بالهدى هنا :
هدى البيان والإرشاد فإن الله تعالى التزم على نفسه بيان ذلك حتى لا يكون
للناس على الله حجة .
وليُعلم أن الهدى نوعان :
1 ـ هدى التوفيق . فهذا لا يقدر عليه إلا الله.
2 ـ هدى إرشاد ودلالة ، فهذا يكون من الله ، ويكون من الخلق
: من الرسل عليهم الصلاة والسلام، ومن العلماء.
كما قال الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ] وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم [[الشورى: 52].
أما هداية التوفيق فهي إلى الله لا أحد يستطيع أن يوفق شخصاً إلى الخير
كما قال الله تعالى :
] إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء [[القصص: 56].
* *
* * *
* * *
* * *
*
= ] وإن لنا للآخرة والأولى [
يعني : لنا الآخرة والأولى .
الأولى متقدمة على الآخرة في الزمن ، لكنه في هذه الآية أخرها ، لأن الآخرة
أهم من الدنيا ،
ولأن الآخرة يظهر فيها ملك الله تعالى تماماً.. في الدنيا هناك رؤساء ، وهناك ملوك ، وهناك أمراء
يملكون ما أعطاهم الله عز وجل من الملك ، لكن في الآخرة لا ملك لأحد ] لمن الملك اليوم لله الواحد القهار [[غافر: 16].
= قوله تعالى : ] فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى [
لِمَ ذكر ( ناراً ) نكرة ولم يقل النار أو نار جهنم
؟ ..
نكّر القرآن لفظ ( النار ) لغاية عظيمة
وهي تعظيم النار وتهويلها في قلوب السامعين و لذلك
وصفت النار بـ ( تلظى ) للدلالة على التهابها من شدة الاشتعال .
* *
* * *
* * *
* * *
*
= ] لا يصلاها [
يعني : لا يحترق بها (إلا الأشقى) يعني الذي قدرت
له الشقاوة ..
] وسيجنبها [
أي : يجنب هذه النار التي تلظى ( الأتقى )
والأتقى اسم تفضيل من التقوى
يعني : الذي اتقى الله تعالى حق تقاته.
] الذي يؤتي ماله يتزكى [
يعني : يعطي ماله من يستحقه على وجهي تزكى به ، أي: يتطهر به .
= ] وما لأحد عنده من نعمة تجزى [
يعني أنه لا يعطي المال مكافأة على نعمة سابقة من شخص فليس لأحد عليه فضل حتى يعطيه
مكافأة ، ولكنه يعطي ابتغاء وجه الله .
ولهذا قال : ] إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى [.
فهو لا ينفق إلا طلب وجه الله ، أي طلب الوصول إلى دار كرامة الله التي
يكون بها رؤية الله عز وجل .
] ولسوف يرضى [
يعني سوف يرضيه الله عز وجل بما يعطيه من الثواب الكثير .
نسأل الله أن يجعلنا من هؤلاء البررة الأطهار الكرام .. إنه على كل شيء
قدير .
* *
* * *
* * *
* * *
*
بارك الله بكم .. وقفات عميقة ومدهشة
ردحذفجميل جدا بارك الله فيكم
ردحذفجميل جدا بارك الله فيكم
ردحذف