الاثنين، 26 مايو 2014

تأملات سورة الانشقاق



الحمد لله وحده .. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..
أما بعد :
هذه تأملات في سورة الانشقاق ..
^^^^^^^^^

= تسمى سورة الانشقاق وسميت في زمن الصحابة سورة "إذا السماء انشقت".
وعنون لها البخاري والترمذي والامام السيوطي في الإتقان وسماها المفسرون وكتاب 
المصاحف " بسورة الانشقاق" باعتبار المعنى كما سميت السورة السابقة 
"سورة التطفيف" و "سورة انشقت" اختصارا. 

= جاء في فضلها :
روى الترمذي واحمد والحاكم عن ابن عمر – رضى الله عنة – فقال :
قال رسول الله – صلى الله علية وسلم -  : ( من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأى 
عين فليقرأ "إذا الشمس كورت" و "إذا السماء انفطرت" و"وإذا السماء انشقت" ) .

= افتتحت السورة بتمهيد فيه بيان اشراط الساعة , والتي سيكون من نهاية
أمرها بيان فئات الناسبين مؤمن وكافر. وذا يعد من أبدع وجوه المناسبات .

= ( وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) أي استمعت وأطاعت أوامر ربها، وحق لها أن تتخلى وتستمع لما 
يريد ربها أن يأمرها به لأنها واقعة في قبضة القدرة الإلهية .
وجواب : إِذَا محذوف لإرادة التهويل على الناس .  
والتقدير: إذا حدث ما حدث، رأيتم أعمالكم من خير أو شر.

= جواب الشرط : محذوف ويُحذف في القرآن كثيراُ للتعظيم ...
= ( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ)
أي يا أيها الإنسان، والمراد به الجنس الذي يشمل المؤمن والكافر، إنك عامل في هذه
الحياة ومجاهد ومجدّ في عملك، ومصير سعيك وعملك إلى ربك
أو إلى لقائه بالموت، وإنك ستلقى ما عملت من خير أو شر، أو سوف تلقى ربك بعملك.
والكدح: جهد النفس في العمل حتى تأثرت.
وأهم شيء يعين الإنسان على ترك المعصية خوف الله عز وجل, وأن يردد في فكره قول
الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ﴾ [الانشقاق:6]
وأن يؤمن ويوقن بأن أي عمل يعمله فإنه سيلاقي ربه بذلك.

= هذا الكدح هو كدح لابد منه كما يدل على ذلك معنى الآية الشريفة حيث
قالت الآية : (انك كادح) ولم يقل سبحانه :  يا أيها الإنسان اكدح .. بل إنك كادح .

 فالكدح هو : حقيقة موضوعية قائمة لامحالة ولا يفهم من معنى الكدح أن التعب والعناء
مكتوب على الإنسان ، بل إن المعنى المراد هو إن هناك جهد سوف يبذل من قبل الإنسان
لأن الهدف المنشود هو أعلى القمم المتصورة فيحتاج إلى بذل وجهد يسمى كدحاً .

قال قتادة: يا ابن آدم، إن كدحك لضعيف، فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة اللّه ،
فليفعل ولا قوة إلا باللّه ..
وهذا دليل على أن الدنيا دار عناء وتعب ولا راحة ولا فرح فيها.

^^^^^^^^^

= وسبب خسارة الفريق الثاني : البطر في الدنيا، وإنكار المعاد والحساب والجزاء
والثواب والعقاب، واللّه خبير بهم، عليم بأن مرجعهم إليه ..


= ( إنه كان في أهله مسرورا)
الفرح المنهي عنه : ما يتولد من البطر والترفه، لا الذي يكون من الرضى بالقضاء ومن
حصول بعض الكمالات والفضائل النفسية لقوله تعالى :
( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ، فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا )[يونس 58].

= { فَلاَ أُقْسِمُ بالشفق }
فأقسم بالبياض بعد الحمرة أو الحمرة التي تكون بعد مغيب الشمس .
أو بِالشَّفَقِ الجمرة التي ترى في الأفق الغربي بعد غروب الشمس . 
وعنأبي حنيفة رضي اللّه عنه: إنه البياض الذي يليها سمي به لرقته، مأخوذ من الشفقة . 
= { والليل وَمَا وَسَقَ } جمع وضم ولف والمراد ما جمعه من الظلمة والنجم ،أو من عمل فيه
من التهجد وغيره .
وقال الزحيلي : وَسَقَ ضمّ وجمع وستر جميع ما دخل عليه من الدواب وغيرها.

^^^^^^^^^

= { والقمر إِذَا اتسق } اجتمع وتم بدراً أو اجتمع وتكامل وتم نوره افتعل من الوسق .
اتَّسَقَ اجتمع وتم نوره وصار بدرا وذلك في منتصف الشهر القمري، وهو ما يعرف بظاهرة
القمر الأزرق.

= { طَبَقاً عَن طَبقٍ } حالاً بعد حال ، كل واحدة مطابقة لأختها في الشدة والهول .
والطبق ما طابق غيره يقال  ما هذا بطبق لذا أي لا يطابقه ، ومنه قيل للغطاء الطبق ،
ويجوز أن يكون جمع طبقة وهي المرتبة من قولهم : هو على طبقات ، أي لتركبن أحوالاً
بعد أحوال هي طبقات في الشدة بعضها أرفع من بعض وهي الموت وما بعده من مواطن
القيامة وأهوالها .

ومحل { عَن طَبقٍ } نصب على أنه صفة ل { طَبَقاً } أي طبقاً مجاوزاً لطبق ،
أو حال من الضمير في { لَتَرْكَبُنَّ }أي لتركبن طبقاً مجاوزين لطبق .
وقال مكحول : في كل عشرين عاماً تجدون أمراً لم تكونوا عليه .

وقال الإمام البقاعي في تفسيره :
الطبق كل ما ساوى شيئاً ووجه الأرض والقرن من الزمان أو عشرون سنة ، وكلها واضح
الإرادة هنا وهو بديهي الكون ، فأول أطباق الإنسان جنين ، ثم وليد ، ثم رضيع ثم فطيم ،
ثم يافع ، ثم رجل ، ثم شاب ، ثم كهل ، ثم شيخ ، ثم ميت ، وبعده نشر ثم حشر ثم حساب
ثم وزن ثم صراط ثم مقرّ ، ومثل هذه الأطباق المحسوسة أطباق معنوية من الفضائل والرذائل .
ثم يكون المصير الأخير: الخلود في الجنة أو في النار.

= ( فما لهم لا يؤمنون ) ماذا يمنع الكفار عن الإيمان باللّه تعالى ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم
واليوم الآخر والقرآن بعد ما وضحت لهم الآيات وقامت الدلالات؟!

وماذا يمنعهم عن الخضوع والسجود للقرآن عند سماعه، بعد ما عرفوا أنه معجز،
وهم أرباب الفصاحة والبلاغة؟! وهذا توبيخ على أنهم لا ينظرون في الدلائل حتى يورثهم
الإيمان والسجود عند تلاوة القرآن .

= جمهور العلماء على أن هذه الآية: ( وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ)
موضع سجدة تلاوة، بدليل ما تقدم في الصحيح عن أبي هريرة أنه قرأ:
إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ فسجد فيها، فلما انصرف أخبرهم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سجد 
فيها.

^^^^^^^^^

= ( إلا الذين آمنوا ) الاستثناء منقطع عند الزمخشري ، ولا بأس بكونه متصلا، كأنه قال:
إلا من آمن منهم، فله أجر غير مقطوع، أو هو من المنة. وذكر ناس من أهل العلم أن
قوله : (  إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ (
  ليس استثناء، وإنما هو بمعنى الواو كأنه قال: والذين آمنوا .

^^^^^^^^^

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق