الأحد، 29 ديسمبر 2013

^ تأملات في سورة القارعة ^


تأملات في سورة القارعة ::

===============

الحمد لله وحده .. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..

وبعد :

تأملات في سورة القارعة هو درسنا التدبري لهذا اليوم ..

--------------------------------------------------------

* سورة القارعة من السور القصيرة التي يقرأها معظم الناس في صلواتهم، ولو انتبهوا إلى معانيها الجليلة وأبعادِها الخطيرة، وكيف أن الله عز وجل جعل هذه السوَر أداة لترسيخ الإيمان في النفوس ، فهي مواعظ قرآنية عظيمة يحيي الله بها قلوب من يشاء من عباده، ففيها التخويف من يوم القيامة وبيان حقيقة الدنيا والتحذير من الالتهاء بها وبيان أقسام الناس وأحوالهم .
 
* سورة القارعة تتكلم عن يوم القيامة ، وهو يومٌ عظيم، سماه الله عز وجل في القرآن الكريم بأسماءٍ كثيرة . 

وأحصى له الإمام السيوطي ، والإمام الغزالي ، والإمام القرطبي وغيرهم أكثر من خمسين اسماً من القرآن.

فسماه الله عز وجل : يوم القيامة : وهو أشهر الأسماء، وقد ورد في أكثر من سبعين آية .

وسماه الله : اليوم الآخر، ويوم البعث، ويوم التناد ، ويوم النشور، ويوم الحسرة ، ويوم الآزفة ، ويوم الخروج ، ويوم الخلود ، والقارعة ، والحاقة ، والصاخة ، والطامة .. وغيرها من الأسماء .

*وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى .

قال الإمام القرطبي : أن الشيء كلما عظم قدره كثرت أسماؤه .

 *وردت كلمة القارعة ثلاثَ مرَّات، في مرةٍ كانت إبهاماً } الْقَارِعَةُ  {[ القارعة: 1]

 وفي مرةٍ كانت استفهاماً وتهويلاً } مَا الْقَارِعَةُ {[ القارعة: 2].

وفي مرةٍ كانت تعجيزاً } وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ {[ القارعة: 3].

فتكرر اسم القارعة ثلاث مرات، وهذا كله من باب التهويل والتفخيم والتعظيم لما يحصل في ذلك اليوم ..

 ^^^^^^^^^^^^^^^

*القارعة مشتقة من القرع وهو الضرب بشدة، ومنه قول القائل: العبد يقرع بالعصا ، والحر تكفيه الملامة ومن ذلك قول الله عز وجل: } وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ {[الرعد:31].

*وتطلق القارعة على المصيبة الشديدة، فالله عز وجل سمى يوم القيامة القارعة ؛ لأنها تقرع القلوب وتفزعها بأهوالها كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الهول يبدأ من القبر في قوله : ( من مات قامت قيامته )، فالذي في القبر يرى ما لا عهد له به، أما المؤمنون فإن الله يثبتهم .

 وقفةٌ متأنيةٌ عند كلمة } وَمَا أَدْرَاكَ { إذا قالها الله :

معنى ذلك أنه سوف يُدريك، وسوف يُعْلِمُك كهذه السورة } وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ {

أما إذا قال: وما يدريك .. معنى ذلك أن هذا الشيء مما استأثر الله بعلمه ، لن تعرفه  } وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا {[ الرعد : 63]..

 *ثم بين متى تكون ؟ فقال جل وعلا: } يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ {[ القارعة : 4] أي: أنها تكون في ذلك الوقت، يوم يكون الناس كالفراش المبثوث حين يخرجون من قبورهم. قال العلماء: يكونون كالفراش المبثوث، والفراش هو هذه الطيور الصغيرة التي تتزاحم عند وجود النار في الليل وهي ضعيفة وتكاد تمشي بدون هدى، وتتراكم وربما لطيشها تقع في النار وهي لا تدري، فهم يشبهون الفراش في ضعفه وحيرته وتراكمه وسيره إلى غير هدى. و} الْمَبْثُوثِ { يعني المنتشر ..

^^^^^^^^^^^^^^^

*قال علماء التفسير: شُبِّهَ الناس يوم القيامة بالفراش لأنه أضعف المَخْلوقات..

} وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ {[ الأنعام : 94]

شبه الناس أيضاً بالفراش لأن الفراش من أغبى المخلوقات، فهي تُلْقي نفسها في حتفها، وهذا مشاهدٌ في أيِّ بيت، إذا تألَّق المصباح تأتي الفراشة كي تُلْقي بنفسها في هذا الضوء أو هذه النار.

*وقوله عز وجل: } يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) {[ القمر : 6-7] .

*وفي سورة القارعة شبه الناس بالفراش، وهنا شبههم بالجراد .

قال أهل التفسير:

ولا تعارض في هذا فهم في أول خروجهم من القبور يكونون كالفراش متخبطين لا يهتدون إلى مكان، ولا يقر لهم قرار، ثم بعد ذلك إذا سيقوا إلى المحشر، وكانت النار خلفهم تطردهم، فإنهم يكونون كالجراد المنتشر؛ لأن الجراد يسير أسراباً نحو هدف مقصود ، أما الفراش فإنها تتخبط دون هدف معين .
 

*أما الجبال وهي تلك الجبال العظيمة الراسية الصلبة فتكون}  كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ { [القارعة :5]

} كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ {  

} كَالْعِهْنِ { الصوف. وقيل: القطن.

} الْمَنْفُوشِ { المبعثر أي: أن هذه الجبال بعد أن كانت صلبة قوية راسخة تكون مثل العهن الصوف، أو القطن المبعثر ـ سواء نفشته بيدك أو بالمنداف فإنه يكون خفيفاً يتطاير مع أدنى ريح ..

*يقول تعالى :}  يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ {[ إبراهيم :48]

فهذه الجبال تصير كالعهن المنفوش ، ثم بعد ذلك تصير مسيرةً}  وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَال { [ الكهف :47]

}  وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) {[ طه :105]

ثم بعد ذلك تصير سراباً كأن لم تكن، ويخرج الناس من قبورهم وليس هناك جبال، ولا بنيان، ولا أشجار، ولا معالم ولا شمس ولا قمر، الكل خسف به وذهب ضوؤه، ثم بعد ذلك يحشر الناس على أرض بيضاء عفراء كقرص الخبز النقي الذي ليس فيه نخالة، فقرصة النقي لا معلم فيها لأحد .

^^^^^^^^^^^^^^^

*وبعد هذه الأهوال يجتمع الناس في عرصات القيامة ، فنصبت الموازين ،                           قال عز وجل :}  يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ {[ الأنبياء :47]

قال ابن عباس رضي الله عنهما :

( الميزان له لسان وكفتان ، وهو ميزان حقيقي توزن فيه الأعمال ، وتوزن فيه الصحف ،   ويوزن فيه الأشخاص ، كما جاء في آخر سورة الكهف

قول الله عز وجل :}   فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا {[ الكهف :105]

أي: هؤلاء المتكبرون المتغطرسون .

*وأكثر ما يثقل به الميزان كلمة لا إله إلا الله، من قال هذه الكلمة موقناً بها خالصاً من قلبه ، لحديث البطاقة .

} فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11) {[ القارعة :6-11]

^^^^^^^^^^^^^^^

قسم الله تعالى الناس إلى قسمين :

فمن رجحت حسناته على سيئاته هو عيشة طيبة ليس فيها نكد، وليس فيها صخب، وليس فيها نصب، كاملة من كل وجه، وهذا يعني العيش في الجنة جعلنا الله منهم. هذا العيش لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين، لا يحزنون، ولا يخافون، في أنعم عيش، وأطيب بال، وأسر حال فهي عيشة راضية.

 } وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ  {

إما أنه الكافر الذي ليس له أي حسنة، لأن حسنات الكافر يجازى بها في الدنيا                       ولا تنفعه في الآخرة ، أو أنه مسلم ولكنه مسرف على نفسه وسيئاته أكثر.

}  فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ  { أم هنا بمعنى مقصوده ، أي : الذي يقصده الهاوية ، والهاوية من أسماء النار ، يعني أنه مآله إلى نار جهنم ـ والعياذ بالله ـ ..

}  فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ  { الهاوية فيها تفسيران :

*قيل : الهاوية اسم من أسماء جهنم، أو دركة من دركاتها ، ونسب إليها ؛ لأنها صارت مستقرة، كما يقال للأرض: أم، قال أمية بن أبي الصلت : والأرض معقلنا وكانت أمنا منها خلقنا وفيها ندفن فالأرض تسمى أماً باعتبار قرارنا عليها ، كذلك جهنم - والعياذ بالله- صارت أماً لهذا الإنسان، باعتبار قراره فيها .

*وقيل : المراد بالهاوية ، أي : أنه يسقط على أم رأسه نسأل الله العافية، كما أخبرنا ربنا في القرآن بأنهم ينكسون في جهنم والعياذ بالله .

 *قوله تعالى : } وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ {

أصل الكلمة في اللغة : ما أدراك ما هي ؟ لكن جيء بهاء السكت.

قال الله تعالى : } نَارٌ حَامِيَةٌ {

* قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ( ناركم هذه جزءٌ من سبعين جزءاً من    نار جهنم ).

*وقال في الحديث الذي في الصحيح: ( إن أهون أهل النار عذاباً من يوضع في أسفل قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه ) .

وقال أيضاً في الحديث: ( إن الله أوقد النار ألف عام حتى ابيضت، ثم أوقدها ألف عام حتى احمرت، ثم أوقدها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة ).

 نسأل الله أن يجيرنا منها برحمته .

  نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن رجحت حسناته على سيئاته، وأن يغفر لنا، ويعاملنا بعفوه،  إنه على كل شيء قدير ..

^^^^^^^^^^^^^^^

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق