أقسم الله تعالى بالعصر، والعصر قيل:
إن المراد به آخر النهار، لأن آخر النهار أفضله، وصلاة العصر تسمى الصلاة
الوسطى .. أي: الفضلى كما سماها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك.
وقيل :
§
إن العصر هو الزمان ..
وهذا هو الأصح أقسم الله به لما يقع فيه من اختلاف الأحوال، وتقلبات الأمور،
ومداولة الأيام بين الناس وغير ذلك مما هو مشاهد في الحاضر، ومتحدث عنه في الغائب
..
فالعصر هو الزمان الذي يعيشه الخلق، وتختلف أوقاته شدة ورخاء، وحرباً
وسلماً، وصحة ومرضاً، وعملاً صالحاً وعملاً سيئاً إلى غير ذلك مما هو معلوم للجميع
..
§
أقسم الله به على قوله : {إن الإنسان لفي خسر} ..
والإنسان هنا عام، لأن المراد به الجنس، وعلامة الإنسان الذي يراد به
العموم
أن يحل محل «ال» كلمة «كل» .. فهنا لو قيل: كل إنسان في خسر لكان هذا هو المعنى
..
ومعنى الآية الكريمة أن الله أقسم قسماً على حال الإنسان
أنه في خسر أي: في خسران ونقصان في كل أحوال في الدنيا وفي الآخرة إلا من استثنى
الله عز وجل.
وهذه الجملة مؤكدة بثلاث مؤكدات :
الأول: القسم .
والثاني: (إنّ) .
والثالث: (اللام) .
وأتى بقوله { لفي خسر} ليكون أبلغ من
قوله: (لخاسر) وذلك أن «في»
للظرفية فكأن الإنسان منغمس في الخسر، والخسران محيط به من كل جانب ..
{إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا
بالصبر} ..
§
استثنى الله سبحانه وتعالى
هؤلاء المتصفين بهذه الصفات الأربع:
الصفة الأولى : الإيمان الذي لا يخالجه شك ولا تردد
..
فالإيمان في قوله : {إلا الذين آمنوا}
يشمل الإيمان بالأصول الستة التي بينها الرسول عليه الصلاة والسلام ..
أما قوله: {وعملوا الصالحات} فمعناه: أنهم قاموا بالأعمال الصالحة: من صلاة، وزكاة،
وصيام، وحج، وبر للوالدين، وصلة الأرحام وغير ذلك .. فلم يقتصروا على مجرد ما في القلب
بل عملوا وأنتجوا ..
و{الصالحات} هي التي اشتملت على شيئين:
الأول : الإخلاص لله عز وجل ..
والثاني : المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام ..
{وتواصوا بالحق} أي: صار بعضهم يوصي بعضاً بالحق ..
والحق : هو الشرع. يعني كل واحد منهم يوصي الاخر
إذا رآه مفرطاً في واجب أوصاه وقال: يا أخي قم بالواجب، إذا رآه فاعلاً لمحرم أوصاه
قال: يا أخي اجتنب الحرام، فهم لم يقتصروا على نفع أنفسهم بل نفعوا أنفسهم وغيرهم
..
{وتواصوا بالصبر}
أي: يوصي بعضهم بعضاً بالصبر، والصبر حبس النفس عما لا ينبغي فعله، وقسمه
أهل العلم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: صبر على طاعة الله .
القسم الثاني: صبر عن محارم الله .
القسم الثالث: صبر على أقدار الله .
كانَ الرَّجُلانِ مِن أصحابِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا
الْتَقَيا لَمْ يَتفرَّقا حتى يَقرأَ أحدُهُما على الآخَرِ: {وَالْعَصْرِ - إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}، ثُم
يُسَلِّمُ أحدُهُما على الآخَرِ)؛ وهذا مِن أجلِ أن يُذَكِّروا بعضَهم بهذه السورةِ
العظيمةِ؛ فَيَعْمَلوا بها ويَلتَزِموها ظاهراً وباطناً.
«لو لم ينزل الله على عباده حجة إلا هذه السورة لكفتهم»
..
يعني: كفتهم موعظة وحثاً على التمسك بالإيمان والعمل الصالح، والدعوة
إلى الله، والصبر على ذلك. وليس مراده
أن هذه السورة كافية للخلق في جميع الشريعة، لكن كفتهم موعظة، فكل إنسان
عاقل يعرف أنه في خُسر إلا إذا اتصف بهذه الصفات الأربع، فإنه سوف يحاول بقدر ما يستطيع
أن يتصف بهذه الصفات الأربع، وإلى تخليص نفسه من الخسران
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق