الثلاثاء، 28 يناير 2014

تأملات في سورة الزلزلة :

 
الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد :

درسنا التدبري لهذا اليوم هو تأملات في سورة الزلزلة ..

------------------------------------------------

ذكر السيوطي أن سورة الزلزلة من السور التي صحت الأحاديث في فضلها ، ومن تلك
الأحاديث ما رواه عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال :

أتى رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أقرئني يا رسول الله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اقرأ ثلاثاً من ذوات ( آلم ) ) فقال : كبرت سنى واشتد قلبي وغلظ لساني ، قال : ( فاقرأ ثلاثاً من ذوات حاميم ) فقال : مثل مقالته ، فقال : ( اقرأ ثلاثاً من المسبحات ) فقال مثل مقالته ، فقال الرجل : يا رسول الله أقرئني سورة جامعة ، فأقرأه النبي صلى الله عليه وسلم :
( إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ ) حتى فرغ منها فقال الرجل : والذى بعثك بالحق لا أزيد عليها أبداً ، ثم أدبر الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أفلح الرُّوَيْجِلُ) مرتين ) .

وقوله ( أقرئني سورة جامعة ) يعنى : سورة جامعة لأنواع الخير ومختصرة ليسهل عليه حفظها .

وقوله : ( فأقرأه : (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ) أي سورة إذا زلزلت ،

وكانت هذه السورة جامعة لأن أحكام القرآن تنقسم إلى أحكام الدنيا وأحكام الآخرة ،
 وهذه السورة تشتمل على أحكام الآخرة إجمالاً .

 ˜˜˜˜˜
* بدأ ربنا جل جلاله هذه السورة بالحديث عن واحد من أهوال يوم القيامة، يقول الله عز وجل: (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا)[الزلزلة:1].

هذه الجملة شرطية، أداة الشرط (إذا).

وفعل الشرط ( زلزلت) .

وجواب الشرط في قول الله تعالى: (تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) [الزلزلة:4]

 يعني: فصل ربنا بين فعل الشرط وجوابه بفاصل طويل .

قال تعالى: (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ) [الزلزلة:1-4].

يقول العلامة ابن عاشور رحمه الله: والفصل بين فعل الشرط وجوابه بهذا الطول؛ من أجل التشويق لمعرفة جواب الشرط .

˜˜˜˜˜

* الزلزلة: على وزن فعللة ،

هذا البناء في كلام العرب يدل على حركة واضطراب، ومنه قولهم: قلقلة، ونحو ذلك ..

قوله: (( إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ ))

أي: حركت حركة عنيفة، وماجت واضطربت، وتمور الأرض موراً، هذا الهول كرره ربنا في بعض آياته، كقوله في صدر سورة الحج: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ) [الحج:1]

˜˜˜˜˜

 

² اختلف العلماء متى تكون هذه الزلزلة ؟..

والقول الراجح بأن هذه الزلزلة تكون في القيامة.

² (وأخرجت الأرض أثقالها) روى مسلم في صحيحِه من حديث أبِي هريرة - رضِي الله عنْه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((تقيء الأرضُ أفلاذ كبدها، أمثال الأسطوان من الذَّهب والفضَّة، فيجيء القاتل فيقول: في هذا قتلْتُ، ويَجيء القاطع فيقول: في هذا قَطعتُ رحِمي، ويجيء السَّارق فيقول: في هذا قُطعت يدي، ثمَّ يدَعونه فلا يأخذون منْه شيئًا)).

˜˜˜˜˜

² ( وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا ) [الزلزلة:3].

ويمكن أن يقال: لفظ الإنسان ها هنا من العام المخصوص والمركب.

أي: الإنسان الكافر، أما المؤمن فإنه إذا شاهد هذا الهول يقول: (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [يس:52]؛ لأنه كان ينتظر ذلك اليوم ويحسب له حساباً.

² (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا)[الزلزلة:4].

وقال ابن عبَّاس: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾، قال: قال ربُّها: قولي؛ أي: تكلَّمي بما حصل عليك  
من خير أو شر ..

وجاء في الحديث الذي رواه الترمذي وقال: حسن صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أتدرون ما أخبارها؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال:
أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، تقول: عمل كذا وكذا فهذه أخبارها) ..

 ˜˜˜˜˜

روى البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد الخُدْري - رضِي الله عنْه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: (لا يسمع صوتَ المؤذّن جنٌّ ولا إنس ولا شيء إلاَّ شهِد له يوم القيامة) .

والواجب أيها الإخوان! أن نستحضر هذه الآية دائماً، وذلك بأن نعلم أن الأرض التي نمشي عليها ونقف فوقها ستشهد لنا أو علينا، ستشهد بأن فلاناً قد سجد، وستشهد بأن فلاناً قد جلس فقرأ قرآناً، وأن فلاناً قد جلس فأمر بمعروف أو نهى عن منكر، وستشهد بأن فلاناً جلس عليها فشرب خمراً، وأن فلاناً قد جلس عليها ففعل فاحشة، وأن فلاناً قد وقف عليها يحارب الله ورسوله، ويستهزئ بالشريعة !!..

ولذلك يقول الله عز وجل: ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ) [الدخان:29]                      
 قال علي رضي الله عنه: (إذا مات المؤمن بكى عليه موضع سجوده في الأرض، وموضع صعود عمله الصالح في السماء) .

˜˜˜˜˜

² (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) [الزلزلة:5].

الباء هنا باء السببية، أي: بسبب أن ربك أوحى لها أمرها، أذن لها بأن تتزلزل، والأرض مطيعة، كما قال الله عز وجل: ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) [فصلت:11] أي: أوحى لها فأطاعت.

² (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ) [الزلزلة:6].

الصدور ضد الورود، فالورود هو القدوم، والصدور هو الرجوع، ولذلك عبد الله بن رواحة رضي الله عنه لما كان في طريقه إلى مؤتة خرج المسلمون يودعونه، قالوا له: (يا ابن رواحة ! ردك الله سالماً، فبكى رضي الله عنه وقيل له: ما يبكيك، أتبكي خوف القتل؟ قال: لا والله! لكنني تذكرت آية من كتاب الله: ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا )[مريم:71] فلم أدر كيف الصدور بعد الورود؟!)..

فقوله: ( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ ) أي: يرجعون بعدما حشروا.

( أَشْتَاتًا )[الزلزلة:6]

واحدها شت، بفتح الشين وتشديد التاء، أي: يصدرون أنواعاً وأصنافاً، كما قال الله عز وجل: ( يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ )[الروم:14]،

وقال الله عز وجل: ( يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ )[الروم:43]، فمنهم من هو صادر إلى الجنة، ومنهم من هو صادر إلى النار .. ( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا ) [مريم :86]

قوله: ( لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ )

فمنهم من هو آخذ كتابه بيمينه، ومنهم من هو آخذ كتابه بشماله من وراء ظهره .

˜˜˜˜˜

² (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه) [الزلزلة:7-8].

يقول الله عز وجل: ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء:47]،                       
 وقال سبحانه: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:40]                           

يقول المفسرون رحمهم الله في مقدار الذرة: هي نملة حمراء صغيرة لا تكاد ترى، وقال بعض أهل اللغة: الذرة أن تضرب بيدك على الأرض، فما علق بها من الرمل الصغار تسمى واحدتها ذرة .

ومن المعلوم أن من عمل ولو أدنى من الذرة فإنه سوف يجده، لكن لما كانت الذرة مضرب المثل في القلة .

قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما في القرآن آية أحكم منها أي: من قوله تعالى: ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره)[الزلزلة: 7]

وقال كعب الأحبار رضي الله عنه: لقد أنزل الله في القرآن آية جمعت ما في التوراة والإنجيل والزبور، وقرأ هذه الآية:

( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه)[الزلزلة:7-8]. وفسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : روى البُخاري ومسلم في صحيحَيْهما من حديث أبي هريرة - رضِي الله عنْه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: (الخيل لثلاثةٍ: لرجُلٍ أجْرٌ، ولرجُل ستر، وعلى رجُل وزر) ، ثمَّ سُئِل في آخِر الحديث عن الحمر، قال: (ما أنزل الله عليَّ فيها إلاَّ هذه الآية الفاذَّة الجامعة: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) .

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عائشة - رضي الله عنْها - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: (يا عائشة، إيَّاك ومحقَّرات الذنوب، فإنَّ لها من الله - عزَّ وجلَّ - طالبًا) .

وكذلك الخير لا يحقر المسلم منه شيئًا، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذرّ - رضِي الله عنْه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ( لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجْه طلق) .
 
نسأل الله أن يعيننا على أهوال ذلك اليوم العظيم وأن يجعلنا فيه ممن يؤتى كتابه بيمينه .. آمين ..
˜˜˜˜˜
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق