الجمعة، 9 مايو 2014

تأملات في سورة الطارقتأملات في سورة الطارق



 الحمد لله وكفى .. والصلاة والسلام على رسولنا المصطفى ..
هذه تأملاتنا لهذا اليوم في سورة الطارق ..

= يقسم الله عز وجلّ بمخلوقاته ،وقسمه تعالى بمخلوقاته العظيمة التي تدل على عظمته ؛
وقد أقسم الله تعالى في كتابه العزيز بالسماء في مواطن كثيرة ،وأقسم تعالى (بالطارق) ،
وهي النجوم المضيئة التي تبدو وتبرز وتظهر ليلا وتختفي نهارا ،وقد أقسم الله تعالى بالنجم
أيضا في مواضع أخرى من كتابه العزيز : ( فلا أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم لو تعلمون عظيم *
إنه لقرآن كريم ) أقسم بمواقع النجوم لمناسبتها للمقسم عليه وهو القرآن ؛ لأن القرآن نزل
منجّما بآجال وأوقات ..


= ( وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ ) الطارق أصله ما يطرق الإنسان ليلاً فإذا جاء إنسان إلى أهله او آخر
في الليل فإنه يسمى طارق ، والله تعالى بين معنى الطارق : فالمراد بالطارق هو النجم
الثاقب ، والمراد بالثاقب هو النجم المضيء الذي يثقب بضوئه فأقسم الله به لعظم شأنه .

= والطارق نوعان .. طارق بخير .. وطارق بشر ..
والكون مليء بما لا نعلم من شرور وآفات لا يدفعها عنا الا الخالق سبحانه ...            
 لذلك شرع لنا الاستعاذة في أذكار الصباح والمساء .

= فقوله تعالى بعد ذكر هذه المخلوقات وتسييرها ونظامها {إن كل نفس لما عليها حافظ}،
قال قتادة رحمه الله : حفظة يحفظون عليك رزقك وعملك وأجلك، وقال أيضا : قرينك يحفظ
عليه عمله؛ من خير أو شرّ ..[انظر/ تفسير القرطبيّ]..
فإن الذي يحفظ السموات والأرضين ويسيّرها ،قال تعالى : { ولا يؤوده حفظهما }               
لا يعجزه أن يحفظ نفسك ،ويعلم ما تخفي الصدور و يعلم خائنة الأعين وقد بوب البخاري
 رحمه الله تعالى : باب قول الله تعالى إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا .


= ( إن كل نفس لما عليها حافظ ) حافظان ...حافظ يحفظ عليه عمله ما قدم وأخر .. 
وحافظ يحفظه ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه ) ..
من علم علم اليقين أن عليه حافظا استقامت سريرته ، وصلح حاله ، وحفظ لسانه .
فكل من عرف الله حقّ المعرفة علم أنه مطلعٌ عليه { لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في 
السماء}..


= ثم قال تعالى مذكراً الإنسان بضعفه مقارنة بالسموات والأرض والنجوم والجبال 
{ فلينظر الإنسان مم خلق * خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب} فهذا حال الإنسان
الضعيف كما قال تعالى في كتابه الكريم أيضا .
{ اللَّه الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْف ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْد ضَعْف قُوَّة ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْد قُوَّة ضَعْفًا وَشَيْبَة يَخْلُق
مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيم الْقَدِير} ..
قال ابن كثير رحمة الله عليه :
[ ينبه تعالى على تنقل الإنسان في أطوار الخلق، حالا بعد حال، فأصله من تراب، ثم من
نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم يصير عظاماً، ثم تكسى العظام لحماً، وينفخ فيه الروح،
ثم يخرج من من بطن أمه ضعيفاً نحيفاً واهن القوى، ثم يشب قليلاً قليلاً حتى يكون صغيراً،
ثم حدثاً، ثم مراهقاً، ثم شابا وهو - القوة بعد الضعف - ثم يشرع في النقص فيكتهل، ثم يشيخ
ثم يهرم وهو - الضعف بعد القوة - فتضعف الهمة والحركة والبطش، وتشيب اللمة وتتغير
الصفات الظاهرة والباطنة ]
فهذا حال الإنسان ضعف على ضعفٍ ووهن على وهن فلم الكبر يا عبد الله ؟..

= ( يوم تبلى السرائر ) كقوله : ( وحصل ما في الصدور ) وفيها وقفات :
الإيمان اذا وقر في القلب حمل صاحبه على العمل الصالح .
المؤمن سريرته خير من علانيته .
بحسب سريرتك .. تكون خاتمك .
السريرة الحسنة تبارك العمل وتنميه .
القلب والسريرة أساس القبول عند الله وهي مرتبة الإحسان .
ليس لنا من الناس إلا ظواهرهم فلا نحكم عليهم أو لهم إلا بها ، أما الباطن فلا يعلمه إلا الله .
كل الحقوق والمظالم التي خفيت ستظهر في يوم الحساب ، وكل غادر سترفع له غدرته أمام الخلائق .

= ( فما له من قوة ولا ناصر) سأل أحدهم عالما : كيف ننجو من سهام القدر والله يرمينا بها ؟.. فقال له : كن بجانب الرامي تنجو !!..
فمن كان مع الله في السر والعلن نجا والله وأفلح ..


= في هذه السورة معجزة للمشركين ممن أنكروا البعث والحساب ، وهي كذلكآ ية للمؤمنين
ليتقوا الله تعالى في ظاهرهم وباطنهم ..
فقال تعالى مقسما مرة أخرى بعظيم مخلوقاته :{ والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع } 
فأقسم تعالى بالسماء الممطرة و الأرض المنبتة المتصدقة المتشققة بفعل خروج النبات ،
وهنا أيضا تنبيه و إفحام لمنكري البعث، فقد قيل في قوله تعالى : { والأرض ذات الصدع } 
أي المنشقّة عن الأموات وهذا وجيه ، فقد ورد ذلك في أحاديث وقد قال تعالى في كتابه العزيز : 
( والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميّت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النّشور) فيا له من تشبيه ـ وتنبيه ـ لكلّ غافل عن يوم النشور والبعث ..


= ( وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ ) يعني السماء ذات المطر وسمي المطر رجعاً لأنه يتكرر ويرجع مرة
بعد مرة .
وذكر من أحوال السماء ما له مناسبة للرجع : الغيث الذي به صلاح الناس  فإن إصلاح القرآن للناس كإصلاح المطر للأرض .
وفي الحديث : "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا".
وفي اسم الرجع معنى البعث في قوله : "إنه على رجعه لقادر" والرجع هو المطر المعاقب لمطر
آخر فان البعث معاقب لحياة سابقة... والرجع هو الشق وهو المصدر بمعنى المفعول أي
المصدوع عنه وهو النبات الذي يخرج من شقوق الارض وهنا إيماء إلى دليل آخر من دلائل
الاحياء للناس والبعث .


= المناسبة بين القسمين في قوله تعالى : ( والسماء والطارق * وما أدراك ما الطارق * النجم الثاقب ) 
وبين قوله تعالى : ( والسماء ذات الرجع * والأرض ذات الصدع * إنه لقول فصل ) والمناسبة بين
القسمين والله أعلم: أن الأول فيه إشارة إلى الطارق الذي هو النجم، والنجم هو كما نعلم 
ترمى به الشياطين الذين يسترقون السمع، وفي رمي الشياطين بذلك حفظ لكتاب الله عز وجل .
أما هنا فأقسم بالسماء ذات الرجع أن هذا القرآن قول فصل، فالقسم الأول مناسبته أن فيه
الإشارة إلى ما يحفظ به القرآن حال إنزاله، وفي القسم الثاني الإشارة إلى أن القرآن حياة ؛
لأنه قال : ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْع ) ، والقرآن به حياة القلوب بعد موتها كما قال الله تبارك                 وتعالى :( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا ) ..

= ثم قال تعالى مؤكداً وهذا التأكيد، والتكرار لا يكون عبثا وزيادة ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ـ بل زيادة بيان وتحذير لكل متكبر أو معاند او غافل {إنه لقول فصل وما هو بالهزل}
فليس في كلام الله هزل بل هو قول فصل بين الحق والباطل ..

 = ( وما هو بالهزل )
القرآن كله جد ولا يأخذه بحقه إلا من أخذه بجد ( يا يحيى خذ الكتاب بقوة )                     
( خذوا ما آتيناكم بقوة ) ..
المؤمن لا يكثر من الهزل والخوض فيما لا يعنيه .

= ( إنهم يكيدون كيدا ¤ وأكيد كيدا ¤ فمهل الكافرين أمهلهم رويدا)
إثبات صفة الكيد بالمقابلة لله تعالى على الوجه الذي يليق بجلاله ، ومن كيد الله بالظالمين
إمهالهم والإنعام عليهم ليستدرجهم فإذا أخذهم لم يفلتهم( إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم
عذاب مهين ) ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد * متاع قليل) ..
جعل الله القرآن شفيعا لنا .. وشاهدا لنا لا علينا ..


()()()()()()()()()()()()

هناك 4 تعليقات:

  1. جهد تشكرون عليه
    لدينا ملاحظتين :
    التعريف بالقائم على الصفحة.
    لو كتبت مراجع للمعلومات .
    جزاكم الله خير.

    ردحذف
  2. جزاكم الله خير الجزاء حبذا لو أدخلتم ميزة البحث عن أي موضع آخر من القرءان دون الحاجة للخروج ثم البحث مرة أخرى ..جهود مشكورة بارك الله فيكم

    ردحذف