السبت، 8 مارس 2014

تأملات في سورة الضحى

الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على سيد المرسلين .. أما بعد ..
فدرسنا التدبري تأملات في سورة الضحى ..
-------------------------------------------- 
* قصار السور من الضحى إلى آخر القرآن ..
وهذه القِصار الناس يحتاجونها ؛ لأن في الغالب هذه السور محفوظة من العامي وشبه العامي ، وأيضاً يحتاجونها في قراءتهم في الصلاة .. فلذلك ينبغي العناية به ، لأن الإنسان إذا قرأ جزء يفهم معناه، ويعرف ما فيه فإن هذا أدعى إلى خشوعه والانتفاع به ..
^^^^^^^^^^^^^^
* هي سورة الضحى أو سورة والضحى ، وهي تتحدث عن النعم الحسية للرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذه السورة مكية بلا خلاف .
* الضِّحُّ ضوء الشمس إِذا استمكن من الأَرض ، والضح يقصد به الوضوح الكثير في الشيء ، والسورة تتحدث عن إيضاح وبصفة كثيرة وإزالة ما التبس على الرسول من مقالة المشركين بأن ربه قلاه ، فجاءت هذه السورة بهذه الإيضاحات كنور الشمس وزوال الليل أي سيكون الأمر واضحاً جلياً له .
         ^^^^^^^^^^^^^^
* سبب نزول هذه السورة :
فترة الوحي، يعني: انقطاع الوحي .. فإنه ثبت أن الوحي انقطع عن النبي صلى الله عليه وسلم لفترة على خلاف في طولها ، والناس في هذه المدة مختلفون اختلافاً كثيراً :
- فقد قيل إن فترة الوحي دامت ثلاث سنوات.
- وقيل بل سنتين ونصف.
- وقيل ( وهو الراجح ) أنها أيام ؛ أيام لم تتجاوز الخمسة .
هذا الذي دل عليه الحديث الثابت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فترَ الوحي
لليلة أو ليلتين، ثم أن المشركين يستغلون هذا فيما يُضايقون به النبي عليه الصلاة والسلام .

^^^^^^^^^^^^^^

فقد ثبت أن أم جميل المعروفة بزوجة أبي لهب كانت تُعَيِّرْ النبي عليه الصلاة والسلام وتقول:
 مالي أرى شيطانك لا يأتيك.. وتعني بذلك الوحي الذي يأتيه من السماء .
فاهتمَّ النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، ولحقه ما يلحق البشر من قلق وشدة حتى فَرَّج الله له
وأنزل : ( وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) ) .

* الضحى :
هو الفترة الزمنية المعروفة، الفترة الزمنية التي تكون أول النهار إلى الظهر..
أو إلى قبيل الظهر ، كله ضحى .
ولا يخفاك ، أن هذه الفترة ، أنها فترة النشاط ، وفترة الحيوية ، وفترة طلب الرزق ، وهي فترة مباركة ، ولذلك :
الجادون يستغلونها في طلب العلم أو تحصيل الرزق.. أما غيرهم فربما فَوَّتَ هذا الزمن المبارك الذي هو أول النهار.. فقال الله تبارك وتعالى : ( وَالضُّحَى ) .
* ( وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ) ، "إذا" هنا بمعنى حين أو بمعنى وقت وليست شرطية .
كلمة ( سجى ) فيها كلامٌ كثير للسلف.. حينما فسروا سجى ذكروا أشياء كثيرة .
(1) فبعضهم فسر "سجى" بمعنى سكن.. والليل إذا سجى، والليل إذا سكن .
(2) وبعضهم فسرها إذا أقبل.. "وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى" والليل إذا أقْبَلَ .
وكل هذه وغيرها مما ذكروا مُحتمِل في الآية.. إلا أننا نختار مما ذكروا ما يكون أجمع في المعنى..
فنقول: "وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى" يعني إذا أقبل وسكن .

^^^^^^^^^^^^^^

والليل بهذه الصورة إذا أقبل وسكن.. لاشك أن الإنسان يجد هيبة له.. ولذلك ربما الإنسان من
شدة هيبته لليل في هذه الحال، ربما انتابه شيءٌ من الخوف.. لأنه نُقَلة جذرية في حياته، فبينما
كان في ضوء الشمس يُبصر ويدخل ويخرج، إذا هو بالليل يسجو.. يعني يُقبل ويسكن..
فالإنسان يجد هيبة لذلك.
ولذلك مما يُشْرع في هذا الوقت.. أن الإنسان يلجأ إلى الله عز وجل ويشتغل بما يُسمى بأوراد المساء.. والمساء يبدأ قبل ذلك.. لكن الليل ذِروة المساء..

* ) مَا وَدَّعَكَ ( يعني ما تركك .
وقوله : ) وَمَا قَلَى ( القِلَى بمعنى : الترك مع البغض أو ترك الشيء بُغضاً له.
إذن .. نفى الله سبحانه وتعالى الأمرين :
- نفي التوديع بمعنى الترك.
- ونفي القِلَى وهو الترك عن بُغض .
يُفهم من الآية أن النبي عليه الصلاة والسلام عُيّر ولُمِزَ بأمرين :
- فمنهم من قال: إن الله تعالى وَدّع نبيه يعني تركه.
- ومنهم من قال: إن الله تعالى قَلَى نبيه .
فنفى الله تعالى الأمرين نفى أن يكون قد وُدِّع أي تُرك ، ونفى أن يكون قُلِيَ يعني تُرِكَ عن بغض وعن عدم إرادة منه سبحانه وتعالى لهذا النبي الكريم .

^^^^^^^^^^^^^^

* الذكر من باب التكريم والحذف من باب التكريم ايضاً. لم يقل الله تعالى :
قلاك لرسوله الكريم حتى لا ينسب الجفاء للرسول صلى الله عليه وسلم فلا يقال للذي نحب ونجل ما اهنتك ولا شتمتك انما من باب ادب المخاطبة يقال ما اهنت
وما شتمت فيحذف المفعول به اكراما للشخص المخاطب وتقديرا لمنزلته وترفع عن ذكر ما يشينه ولو كان بالنفي .

^^^^^^^^^^^^^^

* في قوله:  ) الآخرة ( ، وفي قوله: ) الأولى (..
هنا معنيان يتبادران للذهن :
الآخرة : يتبادر للذهن الدار الآخرة ، يعني ما أعده الله تعالى لنبيه في يوم القيامة ، في الجنة .
ثم الأولى : تُقابل بالآخرة فيُراد بها الدنيا .
يعني : ما عند الله سبحانه وتعالى في الآخرة خيرٌ لك مما أنت فيه من هذه الدنيا .
وهذا المعنى لا إشكال فيه ، وهو معنىً صحيح ، وهو : أن ما عند الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في الآخرة خيرٌ له من الأولى .
  لأن الأولى : دار امتحان واختبار ومجاهدة للنفس وللعدو ، لاشك أنها ستكون الآخرة أحسن منها لأنها ستكون الآخرة دار الجزاء لهذا العمل الكثير الذي بذله عليه الصلاة والسلام .
أقول : إن هذا المعنى لا إشكال فيه .
ولنا أن نذكر معنىً آخر : معنىً جديداً للآيات الكريمة حتى تكون الآية يأتم وأعمّ معنى ، فنقول :
إن الآخرة ، والأولى ، هذا وصفان لم يُقيدا بالدار ، ما قيل : ولا الدار الآخرة خيرٌ من الدار الأولى ،فعليه نقول :
إن الآخرة والأولى ، وصفين يصح أن يكونا لكل حال تتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فنقول أن:
الآخرة : الحال الآخرة والصفة الآخرة أكمل من الصفة الأولى التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم .
على هذا المعنى ، تكون هذه الآية تدل بدلالة واضحة أنه عليه الصلاة والسلام . يتنقل من حَسنٍ
إلى أحسن في كل شيء ، لأن الله تعالى قال: ) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى ( .

يعني حالك الثانية خيرٌ من الأولى ؛ وحالك التي تلي أحسن من الحال القائمة .
وتوضيح هذا بالمثال:
حال النبي صلى الله عليه وسلم في مكة هي الأولى وحال النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة
هي الأخرى .
نقول : حالك في المدينة وهي الآخرة أكمل وخيرٌ من حالك في مكة .
كان في مكة : مستضعفاً ، مستخفياً ، أتباعه قِلّة ، ثم لما انتقل إلى المدينة : كان بعكس ذلك : كانت دعوته أشمل ، وكان أتباعه أكثر ، وهناك أقيمت الصلوات علانية وأقيمت سوق الجهاد ،
إلى غير ذلك .
وهذا يدلك على عناية الله جل وعلا وتكريمه لهذا النبي الكريم ، وأن شأنه عظيم عند الله جل وعلا حيث يُنقله من حسنٍ إلى أحسن .

^^^^^^^^^^^^^^

* ) ولسوف يعطيك(  اللام هذه واقعة في جواب القسم والتقدير : والله لسوف يعطيك ربك .
هذا قسمٌ من الله تعالى أنه سوف يُعطي نبيه ، قال : ) يُعْطِيكَ رَبُّكَ ( ، ) فَتَرْضَى (.
ما بيّنت الآيات شيئاً ، فتبقى الآيات عامة ، سوف يعطيك ربك أشياء كثيرة في الدنيا والآخرة ، لكن وصفها أنها ترضيك .
أعطاك القرآن - النبوة - الأتباع - الكوثر .
ولم يقل ولسوف يعطيك الله، أتى اسم الرب )  يُعْطِيكَ رَبُّكَ ( .
وفي هذا إشارة واضحة إلى عناية الله سبحانه وتعالى بهذا النبي الكريم .
لأن الرب فيه معنى التربية .
والتربية هي التنشئة والتطوير شيئاً شيئاً ، إذن.. سوف يعطي الله تعالى نبيه  
ما يرضيه .
وقال موسى عليه السلام :  )وعجلت إليك ربي لترضى ( .
) ألم يجدك ( الاستفهام للتقرير ، والمراد بهذا التقرير بيان منّة النبي صلى الله عليه وسلم
على نبيه في الأحوال التي ستأتي .

* ) فآوى ( ولم يقل آواك .. فالمقصود آواك وآوى بك ..
وكذلك هدى ، هداك وهدى بك وأخرجت أمة تعبدُ الله عز وجل .
فأغنى أغناك وأغنى بك حتى إن بعضهم أصبح من الأثرياء بسبب النبي عليه الصلاة والسلام وأقربها مثالاً :
ما كان يعطيه للمؤلفة قلوبهم ، يعطيهم العطايا الكثيرة أعطى رجلاً غنماً بين جبلين

^^^^^^^^^^^^^^

* ) ضالا  (والضلال هنا بمعنى : عدم معرفة الطريق على جهة التفصيل .
ولا يُفهم من هذا أنه كان عليه الصلاة والسلام أنه كان على فسق أو شرك أو
ما أشبه ذلك أبداً .
كان على التوحيد عليه الصلاة والسلام لكن لم يكن عنده بيان للشريعة على جهة التفصيل ؛
 كما قال تعالى: ) مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ  (هذا هو الضلال الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم .

* ) فأغنى ( والإغناء هنا المذكور في الآية :
هل هو إغناء القلب أم إغناء البدن؟ أو يشمل الاثنين؟!!
يشمل الاثنين :
- فأغناه الله تعالى إغناءً قلبياً ، على حد قوله عليه الصلاة والسلام :
( إنما الغنى غنى القلب) .
- وأغناه أيضاً غناءً بدنياً ، فقيض الله تعالى له مصدر رزق في تجارته مع خديجة وفي أشياء أخرى ساقها الله تعالى إليه .

^^^^^^^^^^^^^^

* ) فأما اليتيم فلا تقهر  (هذه نربطها مع قوله : ألم يجدك يتيماً فآوى .
) أما اليتيم فلا تقهر (؛ اليتيم الذي عندك خبر من حاله، لأنك كنت يتيماً ؛
والإنسان إذا جرب الشيء يكون أخبر الناس به وأعلمهم به.. إذن: لما ذُقتَ اليُتم ، اليتيم لا تقهر .
والله تعالى نهى عن قهر اليتيم ، ولم ينه عن ما سوى ذلك.. لأن سوى ذلك قد تقتضيه مصلحة.
قد يكون من المصلحة أن اليتيم يُزجر.. فيُقال : اترك كذا.. اسكت، قُمْ عن هذا المكان.. وقد يُضرب أيضاً وغيره.. لأن هذا من مصلحته.. فالقهر لا يمكن أن يكون تأديباً.. لأنك: تُذِل.. تراعي حظ نفسك.. فتأمل سرّ الله سبحانه وتعالى في معاملة اليتيم أنه لا يُقهر..

سبق الشريعة الإسلامية في حُسن التعامل مع اليتيم ، وهذا السبق واضح .
وبهذا تعرف أن من يدّعون أنهم سابقون في رعاية اليتامى ، وإنشاء الدور لهم . يُقال : الدين الإسلامي هو السابق في ذلك .

* ) وأما السائل لا تنهر  (نربطها بقوله تعالى: ) وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى( .
السائل هذا.. لا تنهره ، بل أعطه سؤله من الدلالة إن كان سؤال علم، ومن الصدقة والهدية إن كان سؤاله سؤال مال .

^^^^^^^^^^^^^^

وإن لم يجد ما يعطيه سؤله فكما قال تعالى : 
) وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك فقل لهم قولا ميسورا  (
أي إذا سألك أقاربك ومن أمرناك بإعطائهم وليس عندك شيء وأعرضت عنهم لفقد النفقة ،
عدهم وعداً بسهولة ولين: إذا جاء رزق اللّه فسنصلكم إن شاء اللّه وهكذا ..

* ) وأما بنعمة ربك فحدث  (ولم يقل فخبّر ..
ليشمل حديث النفس وحديث الغير .. أما لو قال فخبر لكان خاصا بحديث الغير ، والإنسان مأمور
أن يحدث نفسه بما أنعم الله عليه وأن يحدث غيره بذلك .. العلامة العثيمين ..

^^^^^^^^^^^^^^

* مشروعية التحدث بنعمة الله.. وهذا حسب الحال .
إلا إذا خشي الحاسد، فإنه قد يؤمر بضد ذلك ألا يتحدث.. وهذا له أدلته:
قال يعقوب لابنه يوسف : ) يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً (
لما رأى الرؤيا السارّة التي تدل على مقدمات عظيمة.. هي نعمة.. فقال :
) لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ (.. ولكن أيضاً :
احذر أن تكون في باب الكتمان موسوساً تحذر مما لا يُحذر منه .
لأن بعض الناس يخشى : أخشى العين ، أخشى الحسد، أخشى كذا، فيُصبح كاتماً لنعمة الله تعالى عليه ، فيُقال : لا ، تَحَدَّثْ في مقام ترجح فيه التحديث، واتكل على الله عز وجل في حفظك وصرف العيون عنك.. والله تعالى يُدافع عن الذين آمنوا..

اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا .. وانفعنا به يا رحمن ..

^^^^^^^^^^^^^^


هناك تعليق واحد: