الاثنين، 3 مارس 2014

تأملات في سورة الشرح





الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله ..

مع تدبر سورة الشرح ..

-----------------------------------------------

 

* سورة الضحى والشرح بينهما ارتباط وثيق جدا ..

فالضحى تتحدث عن النعم الحسية للنبي صلى الله عليه وسلم ، والشرح تتحدث

عن النعم المعنوية له ..

والمتدبّر لمناسبة مجيء سورة الشرح بعد " الضحى " ينكشف لهُ كثير من المعاني المقررة
في السورة ، و منها ما في قوله تعالى :

) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ( .

فمجموع السورتين يعطيان مثالاً حياً لتقرير هذه السُّنَّة .

فسورة " الضحى " تُمثِّلُ جوانب العسر التي عانها نبيُّنا عليه الصلاة و السَّلام ؛

ليعقبها جوانب اليسر في " الشرح " حتى إذا انتهى المثل ، يأتي التعقيب بأن مجيء اليسر
بعد العسر سُنَّة لا تتخلَّف .

 

____________

 

* سورة الشرح وربما سميت أيضاً بسورة الانشراح ، وربما سُميت سورة

 ) أَلَمْ نَشْرَحْ ( .

من حيث النزول :

هذه السورة سورة مكية ، وعلى ما سبق بالأمس يكون نزولها قبل هجرة النبي عليه الصلاة والسلام .

 

* نوع الاستفهام في قوله تعالى : ) أَلَمْ نَشْرَحْ ( .

استفهام تقريري الغرض منه التأكيد ، يعني : قد شرحنا لك صدرك .

معنى الشرح ، الآية تحتمل المعنيين :

- تحتمل الشرح الحسي الذي كان بشق الصدر ، حينما شقه جبريل وأخرج

من قلبه حظ الشيطان وملأ قلبه العلم والحكمة ، على ما ثبت في الحديث .

- وتحتمل الشرح المعنوي الذي كان بانبساطه وسعته وما أشبه ذلك ،فلقد

 كان أوسع الناس صدراً عليه الصلاة والسلام مع أنه يأتيه ما يأتيه من المضايقات،
ومن المصائب ومن الأمور التي لا يصبر عليها إلا من صبّره الله سبحانه وتعالى عليها .

وشرح الصدر نعمة كبرى ،إذا مَنَّ الله تعالى به على العبد ، لأنه إذا انشرح صدره : فسوف يجد
إقبالاً على طاعة الله عز وجل ، وسوف يجد إقبالاً على مصالحه الدنيوية يقضيها بيسر وسهولة
وعدم كلفة .

 

____________

 

وشرح الصدر له أسباب :

فأعظمها كما ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى : توحيد الله عز وجل .

كلما عَظُمَ التوحيد زاد الانشراح والانبساط .

 

* اللام في قوله تعالى : ) لَكَ ( .

في الآية الأولى والرابعة لام التعليل فتفيد تكريم النبي صلى الله عليه وسلم

بأن الله فعل ذلك لأجله ، وجاءت الضمائر المضافة إلى الله بصيغة التعظيم في

قوله تعالى : ) وَوَضَعْنَا (  ) وَرَفَعْنَا ( .

ونستفيد منها تشريف الله تعالى للرسول محمد صلى الله عليه وسلم وتكريمه له ، وفيها إرجاع
الفضل والمنة الى الله ، وفيها إشارة إلى بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم وبيان أن العزة لله
يذل من يشاء ويعز من يشاء سبحانه .

 

* قوله : ) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ( .

هذه الآية هي قريبة من قوله تعالى : ) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ (.

الآية تدل بوضوح أن له وزراً وإثماً عليه الصلاة والسلام وهو بشر ليس بِمَلَك،

بل هو بَشَر مُكلف ربما وقع في شيء من الإثم .

ولكن قوله : ) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (

هذا لعظم مقام الله سبحانه وتعالى في قلبه صار الذنب الذي يهون على غيره يعظم عنده عليه
الصلاة والسلام ، فلا يُفهم من الآية أن له ذنوباً كبائر – وتنوع في معاصي وتخبط في محارم -
ليس كذلك .

إنما : لما كان مقام الله تعالى عظيماً في قلبه كان الذنب الذي يستهين به غيره كان عظيماً عنده
عليه الصلاة والسلام .

فنقول: يعْظُمُ الذنب بمقدار عظم الله سبحانه وتعالى في قلب العبد ..

 

____________

 

* عن حفص بن حميد قال : قال لي زياد بن حدير : اقرأ عليَّ ، فقرأتُ عليه :

) أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) (.

فقال : يا بنَ أُمِّ زياد ، أنقضَ ظهرَ رسولِ الله ؟!!!

أي : إذا كان الوزرُ أنقضَ ظهرَ الرسولِ فكيفَ بك ؟!! فجعلَ يبكي كما يبكي الصبيُّ  [ حلية الأولياء 4 / 197 ] .

فالمؤمن المتقي يرى ذنوبه كالجبال التي توشك أن تقع عليه .

أما المتساهل والمنافق فكيف يرى ذنوبه؟

كالذباب الذي وقع على أنفه فقال به هكذا ثم طار !!

 

* قولُهُ تعالى : ) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (

قال قتادة : رفع اللهُ ذِكْرَهُ في الدُّنيا والآخرة ، فليس خطيب و لا نتشهد و لا صاحب صلاة إلا
ينادي : أشهدُ ألا إله إلا اللهُ ، و أشهدُ أن محمداً رسولُ !!!

فلا نحتاج بعد ذلك إلى إحياء ذكر نبينا بالمولد ولا غيره لأن الله تكفل برفع ذكر نبينا ، فنكتفي بما
شرع الله لنا .

 

* اعلم أن : رفع الذكر ليس بالأمر الهين ، بل هو نعمة يَمُنُّ الله تعالى بها على عبده ، وإياك
أن تستخف برفع الذكر وتقول: لا يهمني هذا أهم شيء ما يكون بيني وبين الله .

نقول : نعم ؛ أهم شيء ما يكون بينك وبين الله، ولكن الذكر الحسن والسمعة الطيبة للإنسان
في حياته أو بعد مماته ، هذه كما يقول القائلُ : عمرٌ ثانٍ، يمتد عمرك ثانية بهذا الذكر الذي
يهيئه الله تعالى لك.

دعا أبونا إبراهيم عليه السلام في دعواته في سورة الشعراء : ) وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (

يعني اجعل لي لساناً يذكرونني فيه في الآخرين ، فاستجاب الله دعوته فصار ذكره مشهوراً مُسطراً
ومقولاً .

 

____________

 

* لو تفحصنا العسر في الآية الكريمة لوجدناه معرفاً بأل التعريف ) الْعُسْرِ (.

وتكرر معرفاً بهذه الصيغة ) مَعَ الْعُسْرِ ( .

وهذا يدل على أنه واحد ، بينما ورد اليسر في الآية الكريمة منكراً ) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ( ، وتكرر
منكراً أيضاً ) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ( ، وهو دلالة واضحة على أنه مكرر بمعنى أنه يسر غير اليسر
الأول .

وفي هذا لا أبلغ ولا أوقع من أن نعود لقول ابن مسعود رضي الله عنه في هذا السياق القرآني
المبارك : ) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ( .

يقول عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه : [ لو كان العسر في جحر ضب لدخل عليه
اليسر وأخرجه لن يغلب عسرٌ يسرين ] .

 

* من خلال التدبر والتفكر والتأمل نجد أن الصبر والتقوى والتوكل والدعاء والاستغفار هي
الركائز الأساسية لجلب اليسر بإذن الله تعالى .

) وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا  (.

) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ  ([ الأنفال : 29] .

) وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)([ إبراهيم : 12]

) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ([ النمل : 62] .

 

____________

 

* قوله : ) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (

آية عظيمة في الجِدِّ وعدم إضاعة الوقت .

فحريٌ بكل مسلم أن يتمثلها وطالب العلم بالدرجة الأولى ، أن يكون متمثلاً بالآية الكريمة فلا
تضيع عليه الأوقات هنا وهناك في أشياء لا يستفيد منها ، بل عليه إذا فرغ من عمل يرجو نفعه
أن ينصب في العمل الآخر ، لأن الأوقات سريعة ، والفرص لا تتكرر .

 

* الحكمة في تقديم الجار والمجرور ) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ( .

 

لإفادة الحصر من أن جميع الأمور والعبادات ينبغي أن تكون رغبتنا وقت أدائها رضا الله عنا
وأن تكون لوجه الله تعالى وهنا بيان أهمية الإخلاص عند أداء العبادات .

فـ ) إِلَى ( تفيد الغاية ،بحيث تجعل مطلوباتك تنتهي إلى الله عز وجل .

وتكون عُلْقَتُك التامة بربك عز وجل .

 

* هذه السورة وإن كانت في خطاباتها موجهة بضمير الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام
ولكن هي لكل أحد ، لأن القرآن للناس، وهدىً للمؤمنين، وهدىً للمتقين، فهي سورة عظيمة ..

 

اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وهمومنا ..

 

____________

 

 

هناك تعليقان (2):

  1. افضل واعم واشم تدبر وقراءة لسورة الشرح - شكرا لكم

    ردحذف
  2. شرح االله لك صدرك ويسر امرك

    ردحذف