الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين
،
وبعد ، فهذه تأملات تدبرية في سورة التين ،
*******************
والمشهور وبعضهم يذكر أنه لا خلاف أنها مكية ، ثم موضوع السورة يؤيد أنها مكية .
* أقسم الله تعالى بالتين والزيتون لما فيهما من الخواص الغذائية .
وهذا قول للسلف ، أن قسم الله – عز وجل – بهاتين الفاكهتين : التين والزيتون
.
وهناك قول آخر ، هو للسلف – أيضاً – وهو أن التين والزيتون لا يُراد بهما
ذات الفاكهة والنبات المعروف ، وإنما في ذلك إشارة إلى مكان نباتهما وخروجهما . وهما
ينبتان في بلاد الشام ، وبعضهم يُحدد يقول: دمشق وفلسطين وكلها من بلاد الشام .
والآية تشير إلى هذا المعنى :
أنها تشير إلى بلاد الشام لكونها موطناً
لبني إسرائيل أو لأنبياء آخرين ، لكن أنبياء بني إسرائيل بالدرجة الأولى .
وهذا القول الثاني ، وأن الآية تشير إلى مكان الشام يُؤَيد بأن الله تعالى
ذكر بعد
ذلك أماكن فقال : ) وَطُورِ سِينِينَ*وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (،
إذن هذا القول الثاني يترجح .
* يقسم الله تعالى بثلاثة أماكن هي من أطهر بقاع الأرض التي خصّها الله
تعالى بإنزال رسله وأنبيائه دون سائر بقاع الأرض .
فبيت المقدس :
بعث الله تعالى فيه عبده ونبيه ورسوله عيسي بن مريم عليهما السلام
.
وطور سينين :
كلم الله عز وجل عنده عبده ونبيه ورسوله موسى بن عمران عليه السلام
.
ومكة المكرمة :
زارها معظم أنبياء الله ورسله ومدفون بها عدد كبير منهم ، ثم بعث الله
فيها خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم .
وفيها إشارة إلى ترابط النبوات وأن الأنبياء إخوة كما قال النبي عليه الصلاة
والسلام :
( الأنبياء إخوة من علّات وأمهاتهم شتى ودينهم
واحد ) أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.
*القسم بالبلد الأمين ليس إشارة إلى محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث في
البلد الأمين
فحسب ، وإنما إشارة إلى إبراهيم
أيضاً وأن محمداً هو مجدد ملة إبراهيم ومحيي دينه .
فيمكن أن نطبق قاعدة أخرى مرت علينا وهي :
أن الآية تُحمل على المعنيين ، ما دام ليس بينهما اختلاف ، فنقول:
إن الله تعالى أقسم بالتين والزيتون ذلك النبات المعروف
، وهي أيضاً متضمنة القسم بالإشارة
إلى أماكنها وأماكن خروجها .
فلا مانع أن يكون القسم في الأصل بالنبات ، لكنه يُشير إلى
المكان الذي يخرج فيه
*******************
* جاء ذكر الزيتون وزيته في سبعة مواضع مختلفة من كتاب الله, منها القسم
به مع التين في مطلع سورة التين, وشجرة الزيتون شجرة مباركة وكذلك ثمرتها,
فهي شجرة معمرة قد تعيش لأكثر من ألف سنة, وتعتبر من أهم نباتات الزيوت, ويعتبر
زيتها من أصح الزيوت
* ) سِينِينَ (ليست كلمة عربية وهي طور سيناء في مصر ، وردت في القرآن باسمين سيناء
) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ
طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآَكِلِينَ ([ المؤمنين : 20]
ووردت طور سنين وهي فيها اسمان يذكر أهل اللغة المحدثون
أن هذه فيها لغتان :
سيناء وسنين :
وهو جبل المناجاة الذي أنزلت فيه التوراة على موسى عليه السلام ، وقد
ذكره ربنا تبارك
وتعالي في اثنتي
عشرة آية من آيات القرآن الكريم :
( البقرة:93,63, النساء:154, الأعراف:171,143, مريم:52, طه:80,
المؤمنون:20, القصص:46,29, الطور:1, التين:2), وسميت باسمه إحدي سوره ( سورة
الطور) .
*******************
* جواب القسم ) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ
فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (.
الإنسان ، هنا يُراد به الجنس ، فإذا كان كذلك فإنه يشمل المسلم والكافر
، خلق الله تعالى الإنسان
في أحسن تقويم ، يعني : في أتم خلق .
فالتقويم هنا يراد به الخلق ، يعني أن الله تعالى جعل خِلْقَته قيّمة ,
على أتم حال .
كلام نفيس لابن القيم حول أحسن تقويم تجده في كتابه الماتع : مفتاح دار
السعادة ، فإنه عقد
مبحثاً لخلقة الإنسان وأنها في أحسن تقويم .
* ما المراد بقوله : ) أَسْفَلَ سَافِلِينَ (، وهل هذا في الدنيا أو في الآخرة ؟
المسألة فيها قولان مشهوران :
1- فقد قيل إن الآية تتكلم عن الإنسان في الدنيا ، خلقه في أحسن تقويم
في الدنيا , ثم رده أسفل سافلين في الدنيا .
قالوا: إن المراد بأسفل سافلين في الدنيا أنه يُرَدُّ إلى أرذل العمر,
فيفوته كثير من حسن تقويم الخلقة الأولى ، بحيث تفوته قوته الأولى ، فبدلاً من كونه
– مثلاً – يمشي قائماً ، لا يستطيع ذلك ، وغيرها .
2- إن الآية الكريمة لا تتكلم عن حاله في الدنيا ، بل تتكلم على حاله في
الآخرة ، وذلك أن الله
تعالى يردُّه أسفل سافلين في النار فيما لو اختار الكفر.
وقالوا: إن أسفل سافلين تعبير يُراد به : دركات جهنم أن الله تعالى يرده
في هذه الدركات .
الأقرب : والله أعلم هو القول الأول ، وأن الله تعالى رده إلى أسفل سافلين
أي رده إلى أرذل العُمُر،
بحيث فاته شيء كثير من قوته ومن نشاطه وذاكرته ، هذا هو الأقرب والله أعلم .
وهذا الذي رجحه شيخ المفسرين بالأثر ابن جرير – رحمه الله – فقد رجح
هذا واعتمده ، وهو مروي عن السلف كابن عباس وغيره .
أما ابن القيم – رحمه الله – فإنه اختار القول الثاني وأن ردّه أسفل سافلين
يعني
بذلك في النار .
*******************
* ) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (.
هذا استثناء من الكلام السابق ، يبين لك ارتباط ) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (.
على القولين :
1- على قول من فسر ) أَسْفَلَ سَافِلِينَ ( بالكفر يكون المعنى : استثناء ، وأن الذي آمن وعمل الصالحات لا يُرَدُّ
أسفل السافلين .
2- على القول الثاني : أن الذي يُرد إلى أسفل السافلين هو الرد إلى أرذل
العمر، أن عمله لم
ينقطع بل نقول إن أجره
لم ينقطع, لأن الله تعالى قال : ) فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ
مَمْنُونٍ (
* أقوال ثلاثة عبّر بها السلف معنى ممنون :
يعني : 1- منقوص 2- محسوب 3- منقطع
،
هذه المعاني الثلاثة لنا أن نطبق عليها القاعدة : إن الأقوال
غير المتعارضة تُحمل على الجميع .
فنقول : أجرٌ غير منقوص, وغير محسوب أيضاً, ومن باب أولى غير مقطوع .
* ) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (.
هؤلاء لا يردون إلى أسفل سافلين، هؤلاء في أعلى عليين في الدنيا والآخرة لذلك قال بعض
العلماء :
المؤمن لا يشيخ أبداً، يضعف جسمه ، وينحني ظهره ، ويضعف بصره ويشيب شعره،
ولكنه لا يشيخ، لأن هدفه كبير، وعزمه متين .
* نستفيد من تنكير الأجر في قوله تعالى : )فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ
مَمْنُونٍ (.
الكثرة والعموم والسعة فإن أجر الله غير منقطع .
*******************
* في قوله تعالى : ) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ
بِالدِّينِ ( .
ما بمعنى الذي الموصولة ، استفهام الغرض منه التهديد والإنكار .
يعني ما الذي يحملك على التكذيب ما دُمت عرفت أن الإنسان خُلِق في أحسن
تقويم ، وأن
أجره مستمر
.
ومما يُستفاد من قوله : ) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ
بِالدِّينِ (انقطاع حجة المكذبين بيوم القيامة .
* الحكمة من الحديث عن اليوم الآخر
بعد الأجر لأنه يدفع للعمل الصالح ففي ذكر
اليوم الآخر وأن
الإنسان سيبعث بعد موته ويحاسب على كل كبيرة وصغيرة ، ففيه ترغيب
للعمل الصالح وترهيب
من عمل السيئات .
* ) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ
الْحَاكِمِينَ (
هذه الآية ، ما أعظمها من آية، وما أبردها على قلب المؤمن حينما يتأمل
معناها ،
) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ
الْحَاكِمِينَ (
،الذي يضع الأمور في مواضعها الصحيحة ،
وقوله تعالى : )بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (
.
1- لنا أن نقول إنها مأخوذة من الإحكام ، يعني أن الله سبحانه وتعالى أحكم
كُل شيء أنه أتقنه .
2- ولنا أن نقول إنها مأخوذة من الحكمة وهي وضع الأشياء في مواضعها .
فالله تعالى أحكم الحاكمين:
الذي أتقن الأشياء اتقاناً تاماً, لا مدخل
لمعترضٍ عليه ، وكذلك :
هو أحكم الحاكمين من جهة الحكمة ، حيث وضع الأمور في مواضعها ،
أعطى في موضع العطاء, ومنع في موضع المنع ، وهكذا .
*******************
* يقول الإمام ابن باز رحمه الله : جاء فيه حديث ضعيف أنه -صلى الله عليه
وسلم-
كان إذا قرأ ) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ
الْحَاكِمِينَ ( ، قال : بلى.
وأنا
على ذلك من الشاهدين ، وإذا قرأ : ) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ
الْحَاكِمِينَ ( .
) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ
يُؤْمِنُونَ (،
آخر المرسلات ، قال : آمنت بالله وبرسله ، آمنت
بالله وما أنزل
، وإذا قرأ آخر القيامة : ) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ
عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ([
القيامة : 40]
قال: سبحانك بلى. ولكنه ضعيف إلا
ما ورد في القيامة ، فهو ثابت عند قوله تعالى:
) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى ( ، يقال: بلى ، سبحانك بلى. هذا مشروع، أمَّا عند آخر
سورة التين، والمرسلات،
فهو ليس بمحفوظ .
جعلنا الله من المتدبرين لكتابه العاملين
به
*******************
أنها تشير إلى بلاد الشام لكونها موطناً لبني إسرائيل أو لأنبياء آخرين ، لكن أنبياء بني إسرائيل بالدرجة الأولى .
وهذا القول الثاني ، وأن الآية تشير إلى مكان الشام يُؤَيد بأن الله تعالى ذكر بعد
( الأنبياء إخوة من علّات وأمهاتهم شتى ودينهم واحد ) أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.
فحسب ، وإنما إشارة إلى إبراهيم أيضاً وأن محمداً هو مجدد ملة إبراهيم ومحيي دينه .
فيمكن أن نطبق قاعدة أخرى مرت علينا وهي :
سيناء وسنين :
وتعالي في اثنتي عشرة آية من آيات القرآن الكريم :
تعالى يردُّه أسفل سافلين في النار فيما لو اختار الكفر.
على القولين :
ينقطع بل نقول إن أجره لم ينقطع, لأن الله تعالى قال : ) فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (
العلماء :
المؤمن لا يشيخ أبداً، يضعف جسمه ، وينحني ظهره ، ويضعف بصره ويشيب شعره،
ولكنه لا يشيخ، لأن هدفه كبير، وعزمه متين .
أجره مستمر .
فالله تعالى أحكم الحاكمين:
الذي أتقن الأشياء اتقاناً تاماً, لا مدخل لمعترضٍ عليه ، وكذلك :
سورة التين، والمرسلات، فهو ليس بمحفوظ .
جزاكم الله خيرا.
ردحذفمن كاتب هذه الوقفات؟
سددكم الله وجعلكم كالغيث تنفعوا حيثما حللتم
ردحذف